المدير العام Admin
الدولة : مصر المهنة : مدرس عدد المساهمات : 1285 تاريخ التسجيل : 06/01/2011 العمر : 51
| موضوع: سوء الظن قصة قصيرة بقلم /جمعه شيبه الأربعاء 6 ديسمبر 2017 - 18:41 | |
| سوء الظن
هو يوقن بأن ثمة شيئا غريبا يحدث ، وإن كان مازال يجهله ، ولن يدري متي سيحيط به علما ، ولكنه كم يأمل كثيرا في ذلك ، يحاول جاهدا أن ينتزع تلك الفكرة المدمرة التي إستبدت برأسه استبدادا ، فقد سلبته الراحة والمنام والحياة ، ولكن كيف وقد تقوقع فيها من أطراف شعره إلي أخمص قدميه. هو لا يطيب له عادة أن تلعب مثل هذه الافكار السيئة برأسه ، لأنها تحمله إلي عالم آخر ، عالم لا طاقة له به ، تزداد فيه ألوان الأشياء قتامة و إسودادا ، فهاجس الشك في الخيانة بمثابة موت علي قيد الحياة ، درب أعيا من ساروا فيه ولو خطوات معدودة ، حياة تتغير فيها وجوه الأشياء ، وتتبدل حتي حقائقها فتصبح مصبوغة بشتي ألوان الظنون وأبشعها ، ويعلو بسببها ضجيج الأفكار الذي يقتل هدوء النفس قتلا. وفقدانه للدليل عذاب أخر، عذاب يوسع عليه دوائر التخبط ، ويطيل أمامه سراديب البحث ويزيدها إلتواءا وعتمة وتعقيدا ، ويعمق من نفق الظنون الذي يبتلعه كل ساعة ألف مرة ، ويرهقه إرهاقا شديدا ، ويفسح المجال لنهش الوساوس برأسه و لعبث كل الشياطين بأفكاره ، و هنا كل الشياطين يحتشدون جميعا عن بكرة أبيهم ، تحت قيادة إبليسهم الأعظم ، إنه مؤتمرهم العظيم في أرض الخيانة . وعادة وبمجرد أن تتملك تلك الفكرة من المرء تذبح فيه حيوية الروح ذبحا ؛ وتذهب ريحها و نشوتها، وتبقيها في تعداد من هم ليسوا بموتي ومن ليسوا علي قيد الحياة ، ويرافق المرء الأرق والتفكير والإجهاد و وتلزمه الكوابيس ليلا ، ولم تتخلي عنه الشطحات الشيطانية نهارا. لم يذكر أنه قد رأي منها ما يسوءه قبل ذلك قط , فهي كانت في تعداد الزوجات الصالحات في عينيه , لم يغيب عنها إلا لممارسة عمله الوظيفي لساعات معدودة , ثم يعود ليسكن اليها كعادة الازواج الطيبين والطيبات , لم يري إلا تلك المستجدات الأنثوية المتمردة الطاغية ، التي تولدت علي علي أثر ظهورها ظنونه , والتي لم تشهدها غرفة نومها من قبل , والتي فتحت أمامه دهاليز عدة تسلل منها الشك إلي نفسه بنجاح ، بدت كفارسة متمكنة في سباق عالمي تتخطي كل الحواجز بإقتدار ، لقد رأها رؤية العين كمقاتل أتقن كل فنون الحرب ، مقاتل لا يهاب من ينازله ، لم يستطيع أن ينسي أنه كان في المرة الأخيرة كالضحية التي يفترسها قوي متمرس , خجلها السابق والذي تعود عليه أبرز جرأتها التي يصعب عليه تقبلها في صمت وانصياع ، فكيف أصبحت الخجولة التابعة صاحبة المبادرة والقيادة وعلي دراية بما قد يجهله الألاف غيرها , فمن أين جاءت جرأتها ؟ ومن الذي علمها ؟ وكيف أجادت هذا الذي لم تكن تعيه من قبل , وهي التي كانت لا تفعل سوي ما يملي عليها ، وأين ذهب ذلك الخجل الوليد الذي كان تلتف به ؟ عشرات الأسئلة قابعة في رأسة تبحث بشغف المشتاقين لأحبتهم عن إجابات لها . كم كان يتمني هذا التغيير من قبل ، ولكنه يوم أن أتاه ما كان يصبو إليه ؛ أمطرته سحابة من الشك العنيد ، لا يدري أي رياح تلك التي قد أتت بها ، ولا يدري من أين قد اتت؟ ولكن كيف يقي نفسه من خطرها ، يحاول جاهدا النوم فيفشل ، ويحاول السهر فلا ينجح ، ولا يطيب له البقاء في البيت ولا خارجه ، ولا تمتعه صحبه , ولا يري الراحة إذا ما أستقبل وجه الخلاء وحيدا ، فلقد بدت الحياة بناظريه كبوسا لا ينتهي . أما هي فكانت تنظره علي مهل من طرف خفي ، وكانت علي إطلاع كامل ودراية بما آلت إليه أحواله ، وكأنها تقرأ صفحة تغيرات نفسه حرفا بحرف ، وتسمع همس خلجات فؤاده أولا بأول ، ولكنها حاولت غض الطرف عما قد وصلت إليه أموره ، وكأنها منحت شكوكه الفرصة لتبلغ ذروتها ، تأخذها الشفقة به فتبدو ضعيفة أمام حيرته تارة ، ويصدها كبرياءها تارة أخري ، فتحدثها نفسها كيف له أن يسيء بها ظنا ؟! ، وهي التي لم تعرف في الحياة غيره ، ولم تحدثها نفسها برجل سواه منذ أن صارت له زوجة من خمس سنوات مضت. هو أضعف من أن يواجه ،فمازال لم يمتلك دليلا محققا علي خيانتها ، لا يمتلك إلا مجرد حفنة ظنون ألقت بها الشياطين في تفكيره ، ظنون واهية لا ترقي لأن تكون دليلا لإدانتها، ولكنها فشل في استبعادها عن مجال تفكيره , أما هي فتمتلك دليل براءتها القوي ، الذي لا يجرؤ كائن من كان أن ينازعها في مدي صحته , لكنها لم تشأ إبرازه قبل أن يتجرع كأس مرارة سوء ظنه حتي الثمالة ، يأخذها الحنين إلي بسمته التي فارقت ثغره منذ أن إحتوائه ظنونه ، تتألم لرؤية إرهاق عينيه وشحوب وجه وشرود تفكيره. وهو يمرر أمام عينيه وجوه كل الرجال المشتبه فيهم و الذين قد يرقوا إلي مستوي شكوكه وسوء ظنه ، من أقاربها وأقاربه ومن محيط معارفهم ، يتوقف عند كل وجه واحد منهم دقائق معدودة ، ليعود صفر اليدين فلا يسفر ما قام به عن شيء يذكر، فيعيد الكرة من جديد. هي لم تعد قادرة علي المقاومة والتحمل ؛ فقد جف عوده ، وبدأ بناظريها وكأنه شخص آخر يحمل بعض من ملامحه التي كان عليها، هي تحبه حبا جما ، ما فعلت ذلك إلا طمعا في تحقيق بعض من سعادته ، فهو زوجها الذي ما رفض لها طلب منذ أن تمددت بأحضانه ، وما أساء إليها يوما بكلمة أوحتي بمجرد إيماءة.. فقد قررت أن تعيد الأمور لنصابها ، وتنزع منه حيرته التي أوشكت أن تودي بحياته ، وتعيده للحياة أجمل مما كان عليه، فإقتربت منه في المساء ، وفي يدها الموبايل الخاص بها ، وهمست في أذنبه قائلة : انظر يا حبيبي إن هذا الجروب رائع جدا. فقال متفاجئا : أي جروب تقصدين؟ قالت : جروب كيف تسعدين زوجك... واستطردت قائلة وهي تبتسم علي استحياء : إنه للسيدات فقط وأنا تعلمت منه ما فعلته معك بالامس القريب فنظر وتهلل وجه ولمعت عينيه فرحا واستطرد قائلا: لمن هذا الجروب؟ قالت : لأستاذة في العلاقات الأسرية وأخري في علم الاجتماع وثالثة للتنمية البشرية . فقال محاولا إخفاء فرحة عارمة حلت به وأزاحت جبال الهم التي كانت تعتريه : ومن متي إشتركت فيه ولماذا؟ فقامت وإحتضنته من الخلف بينما كان مازال جالسا علي كرسيه الخشبي وأمالت عليه بجسمها الرائع مشبكة ذراعيها حول عنقه وقالت بدلع بالغ يبدو في نبرات صوتها الرخيم : أما عن متي ؟ فمن منذ أسبوعين تقريبا وأما عن لماذا؟ فلقد اشتركت فيه كي اتعلم كيف اسعد زوجي ونور عيني . واستطردت قائلة: فأنا أعتذر منك عن تقصيري معك يا حبيبي فيما مضي وأتمني أن أكون زوجة مثالية وعند حسن ظنك بي فيما هو آتي ... ضحك ضحكة هستيرية لما قد اكتشفه من عظم حماقته , ومن سوء ظنه , بجانب حكمتها وكياستها وحرصها علي تحقيق سعادته.. أيقن مثني وثلاث ورباع أن سوء الظن يفقد كل شيء جميل في الحياة حلاوته ..وأسر الامر في نفسه ولا يدري أنها كانت علي علم كامل بكل ما يدور في داخله.....
بقلم/ جمعه شيبه 5 من ديسمبر 2017 | |
|