المدير العام Admin
الدولة : مصر المهنة : مدرس عدد المساهمات : 1285 تاريخ التسجيل : 06/01/2011 العمر : 51
| موضوع: وجع الانتزاع قصة قصيرة بقلم الاستاذة زينب العبد الأربعاء 22 نوفمبر 2017 - 13:21 | |
|
وجع الانتزاع.....
إنها ليله الاسراء والمعراج ، قادمة ببهجتها وفرحة القلوب فيها ،قادمة بعد سويعات قلائل ، بمجرد إعلان شمس عصرهذا النهار الرحيل ، وكل البيوت تستعد فرحا واحتفالا ؛ بهذه الذكري العطرة كعادة أهل مصر منذ عهد الفاطميين ، كانت الزوجة ذات الاربعين ربيعا تعد وتجهز ما لذ وطاب من الطعام لزوجها الخلوق واولادها الاربعة ؛ ابتهاجا بذكري مسري ومعراج نبيهم العظيم ، وفجأة يرن تليفونها المحمول فتسرع الزوجة لتجيب رنين هاتفها فإذا به الزوج الكريم يسال عما إذا كان هناك شيء ينقصهم لإحضاره معه في عودته من عمله الاضافي ام لا ؟ و ترد الزوجة بنبرة مفعمة بمشاعر الرضا و النعم : لا يا حبيبي كل شيء هنا علي ما يرام و لا ينقصنا سوي رؤية وجهك البشوش وثغرك الباسم و جبينك الوضاء ، وقدومك إلينا من عملك بالسلامة ، وتتعالي ضحكاتهما حباً ولهفه وشوقا كعادتهما ، وتنتهي المكالمة وتذهب الزوجة لتستأنف تحضير طعامهم المحبب والبسمة تعلو قسمات وجهها ، والفرح يتراقص بداخلها، وكيف لا وحياتها تبدو كجزء من الجنة ، كسفينه تبحر بسلاسة في بحر هادي ، كربيع حياة لا ينتهي، إنها الاكثر حظا بين أقرانها، تحيا سعادة ليس لها مثيل مع زوج رائع لا توصف مثالتيه الكلمات ولا العبارات التي في كل اللغات ، وأطفالها الأربعة الذين هم كمال جمال دنيتها و زينتها ، تسرع الزوجة في إعداد الطعام فالزوج الوفي في طريقه اليها ، والاطفال يذاكرون دروسهم في غرفتهم ويلعبون ، في انتظار عودة الاب الحنون، وبعد وقت ليس بكثير تسمع الزوجة رنين هاتفها مرة أخري، وهنا شعرت بإحساس مخيف داخلها ، لا تعرف له مبرر ، فتسرع لتجيب طالبها فإذا به الزوج ولكن هذه المرة صوته علي غير العادة ، تملأه نبراته الألم ، ويبدو عليه التعب ؛ وكأن به غصة ، فهو يكاد ينتزعه بصعوبة من أعماق أعماقه انتزاعا ، تسأله بلهفة ماذا بك ؟ و ماذا اصابك يا شمس عمري ؟ يرد بصوت خافت، منهك ، متقطع الكلمات قائلا: أنا تعبان ؛ انا بالطريق قادم في تاكسي؛ واشعر بألم وضيق في صدري؛ قالت: تعالي علي البيت لنذهب علي عجل للطبيب او أقرب مشفى وستكون بخير فرد قائلا: لا أظن أن الوقت سيسعفنا ! وأصيبت الزوجة بحالة من انعدام الوزن ؛ فكلماته المتقطعة أربكتها وأخلت بتوازنها وشعرت بإعياء شديد يجتاح جوانبها ، كانت تريد أن تقول كل الكلمات ؛ ولكن تثاقل لسانها في فمها، الذي سرعان ما جف من هول ما سمعت حال دون ذلك، وأخذت تهرول نحو غرفتها لتلبس أي شيء نعم أي شيء يستر عورات جسمها ، و يصلح لنزولها الشارع ، ثم خرجت مسرعة من شقتها وكأنها غائبة عن الوعي، وقدميها عاجزان عن حملها ، لم تنتظر المصعد لإحساسها بعجزه المفرط عن اسعاف لهفتها ، بل ألقت بجسدها المجهد علي درجات السلم لتلقي نفسها خلال لحظات بالشارع في انتظار وصول التاكسي الذي به زوجها، تبحلق عينها في كل التاكسيات المارة كالتي أصابها للتو الجنون؛ راجية أن تري وجه حبيب عمرها ، وقمر لياليها ، وتمر الدقائق وكأنها سنوات عجاف ، ولهفتها تزداد شيئا فشيئا ، ثم يرن هاتفها للمرة الثالثة ، ترد الزوجة بلهفة الذي بلغ به الشوق ذروته ؛ فإذا به صوت غريب ، صوت غير ذاك الذي ألفته طيلة ثمانية عشر عاما ،صوت غير الذي تموت اذنيها شوقا لسماعه ، إنه سائق التاكسي الذي لا تعرفه ، يخبرها بأن الزوج قد غاب عن الوعي ؛ ويخبرها بمكان وقوفه ، وبأنه لا يدري ماذا يفعل ، هرولت الزوجة بعرض الشارع بأقصى ما تملك من لهفة ؛ تطوي الارض نحو ما قيل لها ، لا تكترث لشيء ، ولا تعبأ بضجيج الحياة من حولها ، الشارع وما فيه علي هامش هامش شعورها وكأن الحياة توقفت ، لا تسمع سوي ضجيج نبض قلبها المتعالي ، ولا تشعر الا برعشة تتملك جسمها تهزه هزا ، وخوف يتربع في أعماق نفسها ، وعرق بارد يتصبب من جنبات جبينها ، تشعر وكأنها تهرول نحو المجهول ، تخطو فوق منحدر نحو عالم من الغيب لا تدرك مداه ، تصل مكان التاكسي القاطن هناك علي جانب الطريق وتعلوه ريبة تخفيفها ، لتري صاحب القلب الأبيض ممددا خلف السائق وقد غاب وعيه، تتعالي صيحاتها ونحيبها دون إرادتها ، دخلت التاكسي بكامل كامل لهفتها، أخذت تقبل في وجه تارة وفي رأسه تارة أخري ، تناديه ؛ ترجوه أن يجبها ، تستحلفه بربه أن لا يتركها وحدها ، غابت الدنيا كلها عن عينيها فلم تري الا هو ، وتيقظت علي صوت سائق التاكسي الذي لم تدرك وجوده يناديها قائلا: اطمني إن شاء سيكون بخير ولكن علينا أن نذهب به إلي المشفى حالا، قالت له : أستحلفك بربك أن تسرع ، وسالت دموعها بغزارة علي وجه زوجها وهي تحتضنه بعمق... وبدأت تري شريط حياتها يمر أمام عينيها، كفيلم سينمائي ، فيه حنان زوجها الذي يعجز الوصف عن وصفه ، وفيه اهتمامه بها الذي ليس له مثيل ، لم تتذكرانه أغضبها يوما ، تري ذكرياتهما الجميلة معا كحبات لؤلؤ في عقد قيم جاء من عبق التاريخ ، فيلم حياتها معه والذي تجاوز عمره الثمانية عشر ربيعا ؛ تتزاحم أحداثه في ذاكرتها في تلك اللحظات ، عشرات الأحداث تتقافز أمام عينيها ،كل ما فيها جميل ، زوجها لم تراه الا ملاك يمشي علي الارض ، فلم تنعم بنعيم الوجود الا في أحضانه ، تتساءل هل هي النهاية ؛ و رافضة تلك الاجابة بكل ما فيها ، لا تدري كم من الوقت قد مر؛ فقد توقفت كل ساعات العالم في مخيلتها ، وصلوا إلي اقرب مستشفي، وهي تردد دون توقف قائلة اصحي يا حبيبي وكأن لسانها مسخ علي ذلك ،اناس كثيرون يتزاحمون لحمل زوجها ، لا تعرف منهم احد ، ولا تدري من أين اتوا ، يدخل الطبيب ثم يدخل ثاني وثالث ،اطباء يهرولون وممارضات يتسارعون الكل يحاول انقاذ الزوج ، بح صوتها ولم يعد يسعف زفرات ألمها ، الزوج يصارع الموت ،الموت الذي لا تعرف عنه شيء ، ويده متسمرة بيد زوجته ، والزوجة في عالم آخر يأخذها شرود ليسلمها لشرود أخر، وفجاه وبعد محاولات مبتورة من الجميع ؛ تسقط يد الزوج معلنة بلوغ مرحلة اليأس المطلق غايتها ، ويحاول الطبيب تهدئه الزوجه ويخبرها جزافا بأن زوجها سيكون بخير، ويرجو منها ضرورة خروجها من الغرفة لاستكمال عملهم ،وانقاذ ما يمكن انقاذه ، لكن الزوجة كانت تشعر بانها النهاية ، نعم النهاية التي لا تدرك من ستكون بعدها ، تحجرت الدموع بعينيها ،وبداخلها جبال حزن راسية لا تقوي علي حملها، وتخرج ملبيه رجاء الطبيب، ليخرج طبيب أخر بعد لحظات ،معلنا خبر وفاته ، صرخت بأعلى ما فيها: حبيبي ، وغربت شمس ذلك اليوم ، معلنة انتهاء الفصل الرائع من فصول حياتها ؛ وحل ظلام ليل جديد، تشعر بأنه ظلام حالك لم تري مثله قط ، يا لها من صدمه تفوق تحملها ، لقد مات الحبيب الذي كان لها كل شيء ، مات الذي كانت سعيدة بوجوده ، آمنة مطمئنة في جواره ، كان مصدر كل شيء جميل ، ولقد انتزعه الموت من بين يديها ولقد انتزعه الموت من بين يديها علي حين غفلة , لتعيش مابقي من عمرها تعاني وجع الانتزاع. مات السند و الاب والزوج والاخ والحبيب والصديق والعزيز، فهو بالنسبة لها كان العالم باسره، هو الحياة وما دونه الموت ، نعم أعلنت سعادتها الرحيل ، واخذت تلملم بقاياها . واخذت الحياة تستعد لتكشف لها عن وجها الاخر، وجه الحياة الأكثر قبحا، وبدأ عالمها المجهول يترأي لها من دونه ، تتساءل هل سيكون لها حياة بدونه ، وتتراي حياتها كقارب صغير تقاذفه الأمواج في بحر لجي ، تتمني لو انها ماتت قبله أو ماتت معه ، ولكن لا تبقي لتعاني ساعة في الحياة بدونه ، نعم انه ألم البقاء ، أول مرة تعرف الموت وتعيشه ، نعم لقد زارها اليوم هادم اللذات ومفرق الاحبة، ءاتاها في أعز ما عندها، كانت تسمع عنه مثل اي شيء، ولكنها لم تحيا أثره المرير، اليوم عاشته مضاعف؛ وعاشت معه مأساة أنستها نعيم ما عاشت ، وتمر بذاكرتها قصه حياتها مجرد ذكري لتشعرها بفداحة واقعها المؤلم الذي يرفض أن يحنو عليها ، فما أفظع كابوس الحزن بعد السعادة، والخوف بعد الامن ، والحياة في ظل اللاحياة ،ومسؤوليه تربية الابناء وتدبير شؤونهم الملقاة علي عاتقها ، وينتهي بها الحال وهي تجلس كل جمعه أما قبره لتغتسل بشلال دموعها المتساقط عليه، وتشكي له الآم مزاجها، ووحشة وحدتها ، و عناد الحياة معها ، وتعتب عليه رحيله سريعا، دون سابق انذار ، وتستعيد اجمل ذكريات عمرها معه و وتعاني وجع الانتزاع هي في حالة أشبه بالهذيان.
بقلم / أ : زينب العبد | |
|
المدير العام Admin
الدولة : مصر المهنة : مدرس عدد المساهمات : 1285 تاريخ التسجيل : 06/01/2011 العمر : 51
| موضوع: رد: وجع الانتزاع قصة قصيرة بقلم الاستاذة زينب العبد الأربعاء 22 نوفمبر 2017 - 13:48 | |
| ما شاء الله روعة سلمت يداكي | |
|