المدير العام Admin
الدولة : مصر المهنة : مدرس عدد المساهمات : 1285 تاريخ التسجيل : 06/01/2011 العمر : 51
| موضوع: ميلاد الفجر * قصــــــــة قصيـــــــرة للكاتب جمعه شيبه الأربعاء 12 يناير 2011 - 18:53 | |
| ميلاد الفجر كم كانت تأمل نوال ألا يحدث لها مثلما حدث في حملها الماضي....والحمل الذي سبقه .....والحمل الذي سبق الذي سبقه و............فكل السنوات بناظريها تشابهت..... لأن الرغبات هي الاخري تشابهت والأحداث تشابهت والنتائج لم تختلف....فلا جديدا تبتغي فيه ما يسرها....... ولا جديدا يحمل عنها ما يسوءها....
لقد أصبحت أما لأربعة من البنات.....من زوج تقوقعت كل أمانيه في أن يكون له ولد... فالولد حلم مستبدا برأسه منذ زواجه منها ...من ثمانية أعوام......يكبر هذا الحلم كلما كبرت بطنها ......وفي النهاية لم تشأ لهما الأقدار إلا بأنثى.......
وأخذت نوال في السنوات الأولي من زواجهما تساءل نفسها من أين لزوجها هذا الإرث المشين والمتمثل في كراهيته المطلقة لإنجاب البنات....فلقد بدت لها حياته وكأنها عالما منفصلا عن العالم الذي تحيا فيه هي وبناتها والناس جميعا...عالم آخر له ثقافته وغرائبه التي لا تدري من أين جناها.....
تذكر أنها تزوجته ولم تعرف عنه شيئا غير انه لم يكمل تعليمه وقد سافر للعمل بإحدي دول المال الوفير بالخليج العربي لعدة سنوات قبل زواجه منها واتي بالمال كما أتي بالخوف الشديد عليه........يريد أن يورثه كاملا لولد من صلبه.... وليس لأثني يأخذه عنها زوجها الغريب....
كم كان يبلغ شعورها بالآسي عندما تقترب منها ممرضة غرفة الولادة بالمستشفي قائلة لها: " مبروك انجبتي عروسة زى القمر" تشعر بأن زوجها ملها ومل الحياة معها...انه أسير رغبته الجامحة التي لا تغيب عن خاطره لحظة واحدة ...... وهي أسيرة عجزها الصارخ.....فلا حول لها ولا قوة.....كم كانت تتمني أن تحقق رغبته ولكن ما الذي عليها أن تفعله من أجل ذلك.... فهي تضاجعه مثلما تضاجع كل أنثي زوجها... وتكبر بطنها ويمضي من الشهور تسعة وتتساقط من أحشائها أنثي...لقد فكرت كثيرا في أن تغير من تلك النتيجة ولكن كيف يمكنها ذلك.......؟
الزوج يزداد غضبه عاما بعد عام ...يسيء معاملتها....وكأنها السبب.... بدأت تلهث منذ العام الأول من زواجها وراء تحقيق رغبته..... فسرعان ما تعيد كرة حملها.. آملة أن تحقق هدف زوجها المنشود... أنهكت قواها من كثرة تكرار الحمل والوضع والرضاعة حتى جف عودها.. وانطفأ بريق وجهها...ولكنها لم تكترث بذلك....ولم تعبأ بسوء حالتها الصحية والجسمانية..ولم تضع ذلك في ادني حساباتها بعد أن أصبح شغلها الشاغل أن تنجب الولد... فلقد تشبثت بها تلك الرغبة لإرضاء زوجها فقط فهي لم تكن راغبة في ولد ولا بنت ولا حتى زواج ولكن إصرار أباها علي أن يزوجها قبل موته خوفا عليها هو الذي جعلها تذعن للأمر بعد حصولها علي شهادة الدبلوم مباشرة وكان نصيبها ذلك الشاب الثري الذي بهر جميع أفراد أسرتها بمادياته........... يعطف عليها زوجها أذا ما بدت عليها بوادر حمل جديد ويحسن معاملتها ويستمر هذا العطف إلي أن تصرخ بين قدميها أنثي بعنبر الولادة فيتبدل عطفه عليها بقسوة منقطعة النظير وكأنه يريد أن ينتزع عطفه وحسن معاملته لها فيما مضي من شهور...
ولم تستطيع نوال أن تتناسي ما حدث في وضعها الأخير منذ عامين عندما تركها في عنبر الولادة بالمستشفي غريقة في دماءها وآلامها ورحل عنها...عندما قالوا له أنثي.... تركها وكأنه لم يعرفها..... وعادت بوليدتها تعاني الأم الوضع والوحدة وتحمل ملء قلبها حسرة...
كم تمنت أن يشاركها الأم الوضع...بوجوده بجوارها... وان يمسك يدها لينتزع من جسدها الشعور بالتمزق...ولكنه تعود أن يزيد ألامها ألما فكثير ما تناست الآم وضعها تحت الآم الخوف والوحدة والاغتراب....
تتضاعف مخاوفها كلما اقترب ميعاد الوضع فكم تمنت أن تظل حاملا ابد الدهر ولا تضع ذكرا ولا أنثي.. حاولت مرارا في السنوات الماضية أن تغرس في نفس زوجها بذور الرضا بالانثي وبقضاء الله وقدره وما يهبه لهما..... ولكن بلا جدوى فكانت أشجار سخطه عالية متشابكة كثيفة لا تسمح بوصول شعاع الاقتناع إلي نفسه....
وكم قالت له ليس لي في الأمر شيء..ولكن لم يغير قولها من معتقداته المتحجرة شيء....ودت أن تصرخ بوجهه مرات عديدة قائلة: ما أنا إلا كأرض اعتادت أن تجود بغرسها.....والأمر كله لله...من قبل ومن بعد.....
لم يكترث الزوج ببناته نهائيا ......وكأنه تبناهم علي كراهية منه....... فلم يسره وجودهم...... ولم يسوءه غيابهم......وكان يثار إذا ما فعلوا صوابا أو خطأ....وينهرهم بشدة لأتفه الأسباب ......فيفروا بهلع صوب أمهم لتحتضنهم كالقطة الحذرة علي أولادها من خطر الاذي .....فهي صارت أباهم وأمهم تتحمل أعباء خدمتهم وتتولي كل أمور رعايتهم وكأنها أنجبتهم وحدها..... تخلو بنفسها تسأل الأقدار أن تمنحها ذكرا وترجو المنية أن تدركها.......تصلي في جوف الليل وتبتهل لعل الله يرحمها لقد عاشت أربع محاولات قاسية أسفرت عن ميلاد أمال وغادة وفاطمة وسوميه...
اكتملت شهور حملها الخامس.. واقترب موعد الوضع.. تتساءل عن ملامح الحياة بعده... تلاحقها المخاوف وتنتابها الوساوس أينما ولت بتفكيرها.....يفترسها قلق بالغ ...تعاقب علي نتيجة لادخل لها فيها ....تعامل من زوجها كجارية تقوم علي خدمته مقابل إيوائها وإطعامها...فكم تصبو إلي وجه الحياة الآخر..... وكم تشتاق لرؤيته..
شعرت بالآم حادة مما قد اعتادت عليها من قبل.. حاولت كتمانها.....نجحت في بادئ الأمر..إلي أن تحولت تلك الآلام إلي ما فاق قدرتها علي الكتمان فصرخت بأعلى ما فيها من صوت تستغيث... وبعد مرور فترة لا تدري مداها شقت سيارة الإسعاف بصراخها سكون ليل القرية القاطنة في ربوع الريف وسط المزارع..... وأقلت نوال في أنينها المتواصل إلي مستشفي المدينة..وفي نفس عنبر المرات الأربع. وهناك أدركت أن زوجها بجوارها....وهو في حالة مابين الحزن والفرح...يحتضن السلك الشائك بين حدود الرضا والسخط... ولا تدري إلي أي أرض ستنطلق خطاه بعد قليل...تسترحمه بنظراتها.. وتستجديه بصمتها أن يعفو عنها.. وأن يخرجها من تلك القوقعة.. وتلك المعادلة الصعبة التي تكاد أن تنزع روحها منها.....
تركوها في غرفة الانتظار لحين حضور الطبيب الاستشاري.. الذي استدعوه من بيته بعد أن وجدوا أن توضيعها أمر قد يصعب عليهم لهزالة بدنها وضعف قوتها.... وبرغم ما فيها من الآم فكم تمنت ألا يصل إليها الطبيب أبدا ويظل في الطريق إلي إن يرث الله الأرض ومن عليها...
تتجسد بعينيها ملامح زوجها الغاضبة عندما كان يقول لها منذ شهرين" يانوال اعمل حسابك إذا انجبتي في هذه المرة أنثي فسوف ننفصل فلا داعي أن نزيد ماساتنا مأساة..." تذكرت يومها أنها اختنقت بدموعها وعجزت أن ترد بكلمة واحدة...فهو يأبي السماع ويأبي الاقتناع ويأبي الرضا.......فلقد كرهها في البنات حتى كرهت نفسها....
تتذكر أباها الذي مات من خمس سنوات بعد موت أمها بعامين.... تدعو له بالرحمة والمغفرة علي حسن معاملته لامها التي أنجبت له من البنات سبعة.. فأحسن تربيتهم ورعايتهم حتى تزوجوا جميعا في محافظات متباعدة..... وتركوا البيت القديم خاويا يخبر بأن أناس كان يسكنونه منذ سنوات....
جاء الطبيب واستدار بها الترول ذو العجلات الأربع ودارت الدنيا معه .. وتلاطمت أمواج القلق في لجة نفسها.... ثارت ولم يعد بوسعها أن تهدأ...تتداخل الأمور والأحداث بذهنها..... يداعبها الطبيب قائلا:ولد تريدين أم بنت؟ اطلبي وسوف نلبي بإذن الله مطلبك!..... أخذها العجب والدهشة قائلة في نفسها .....يالسوء الصدف حتى الطبيب يسألني هذا السؤال... السؤال الذي كاد يقتلني.....بكت ولم تستطيع أن تجيبه إلا بدموع خوفها البالغ.. ...بدأت الممرضات بتجهيز أدوات الوضع .......هموم وأوهام تسيطر عليها تري نفسها تدور في الشوارع كالقطة الجائعة لتطعم صغارها.....
يجنح بها الخيال لتري عرس زوجها من امرأة أخري والذي صار عازما عليه إذا لم يتحقق ما يصبو إليه...... تحول الطلق الناري في عرس زوجها إلي طلق ولادة في غرفة مليئة بالمشارط والمقصات ومرتدي الزى الأبيض والمرايل الخضراء والكمامات....أحشائها تتقلص....الأطباء والممرضات يشاركون جميعا بجديه عالية في نزع الألم منها ......صرخت وغابت عن الوعي....أفاقت علي صوت صراخ بين قدميها... شعرت بأن ثلاثة أرباع جسدها انتزع منها.... تود أن تنهض لتري نوع وليدها.....أذكر يمنحها البقاء؟ ..... أم أنثي تمنحها الانتهاء؟..... تخشى أن تخبرها ممرضة الأعوام السابقة....الصراخ يرتفع .....لم تستطيع تميزه... تشتاق لمن يخبرها... وتخشي حدوث ما تخشاه.. وتيقن أن زوجها ينتظر علي أحر من الجمر أمام باب الغرفة.....
مضت اللحظات وكأنها عمرها الكامل... ثمانية وعشرون عاما.....ليس أقل من ذلك يوما واحد.....ما لهم لا يخبرونها!....... الطبيب الاستشاري يعطي معلومات للأطباء الصغار والممرضات بالانجليزية حول أمور تتعلق بعملية الوضع......وهي تتمزق شوقا ....وخوفا ....وألما...إلي أن سمعت احدي الممرضات تضاحك الطبيب الاستشاري موجهة له حديثها قائلة: يا دكتور عماد إحنا نسميه علي اسمك جزاءا له لأنه تسبب في قلقك وإزعاجك في هذا الوقت المتأخر من الليل.......أفزعها ما سمعت...فأجلست نصفها العلوي على شغف.. رغم ما فيها من الألم..قائلة: أأنجبت ولد؟...قالوا نعم.... انه ولدا.... أعادت رأسها إلي السرير... وشقت مكبرات الصوت سكون ليل الدنيا كلها بآذان الفجر من أعلي المآذن..إيذانا بميلاد يوم جديد...... دمعت عيناها ....وغرقت في فيض من الراحة والسكينة.. شعرت حقا بالرضا والفرح .....واستكانت سريرتها..... وانقشع الخوف....... وزال الألم..... وانجلي ذلك الظلام الذي خيم علي حياتها منذ أن جاءت إلي الدنيا..... .....كانت تود أن تنهض وتحمله علي كتفها وتجري لتجوب به كل شوارع المدينة قائلة: إني أنجبت الولد...!
واقبل عليها زوجها في ابتسامة جميلة لم تلحظها علي شفاتيه قبل ذلك قط..... قائلا لها بصوت عذب " ألف حمد لله علي سلامتك ياحبيبتي." و قبلها بين عينيها ...قبلة حارة....لم تحسها منذ ليالي عرسها الأولي.... واحتضنت يداه يديها بمشاعر دافئة .....وانطلق بها الخيال نحو الماضي....... ليتوقف بها علي صوت طبول عرسها ......وتري زوجها في صفاته الملائكية الأولي...التي لم تشوبها للدهر شائبة..... ويجنح بها نحو المستقبل لتتخيل مدي حسن معاملة زوجها لها.....والتي سوف تبقي مابقيت الحياة بهما.....وتري إمكانية استمرار عطف زوجها المادي علي أختها القريبة منها والتي مات عنها زوجها وتركها تعاني المرض وإعالة أطفالها الثلاثة بدون مورد......والتي كثيرا ما صبرت وتحملت من اجلها وأجل أطفالها.........بعد أن افتقدت من يقف بجوارها غيره..... تشعرانها تحيا أحسن لحظات عمرها... فلقد كشفت لها الحياة حقا عن وجهها الآخر الذي اشتاقت إليه كثيرا.... عاشت لحظات السعادة بكل مداركها ...وتبدل خريف الزمان بربيعه ...وزحف الفخر الخفي إلي نفسها ونسيت تقول لزوجها ليس لي في الأمر شيء......!
بقلم جمعه شيبه 1/3/2005 [b]
عدل سابقا من قبل المدير العام في الأربعاء 29 نوفمبر 2017 - 17:58 عدل 4 مرات | |
|
الجمال الشارد مشرف
عدد المساهمات : 187 تاريخ التسجيل : 07/01/2011 العمر : 42
| موضوع: رد علي قصة ميلاد الفجر الجمعة 14 يناير 2011 - 12:09 | |
| | |
|
القلب الطيب
عدد المساهمات : 157 تاريخ التسجيل : 16/01/2011
| موضوع: رد: ميلاد الفجر * قصــــــــة قصيـــــــرة للكاتب جمعه شيبه الجمعة 27 مايو 2011 - 20:16 | |
| | |
|
الامبراطور مشرف
عدد المساهمات : 297 تاريخ التسجيل : 16/01/2011
| |